في قلب الظلام الدامس، وسط ركام البيوت المهدمة وصيحات الأطفال اليتامى، سطّر أهل غزة ملحمة خالدة على مدار 15 شهرًا من العدوان الإسرائيلي الغاشم. آلاف الشهداء ارتقوا إلى بارئهم، عشرات الآلاف من الجرحى يحملون جراحهم كأوسمة فخر، وملايين المهجرين عاشوا أقسى أنواع المعاناة. ومع ذلك، بقيت غزة ثابتة، شامخة، عصية على الانكسار، تحمل في قلوب أهلها جذوة الأمل والإيمان بنصر الله القريب.
أهل غزة: الصبر بصوت الصمود
في وجه الحصار والقصف والجوع، أثبت أهل غزة أن المستحيل ليس في قاموسهم. رغم انقطاع الغذاء والشراب والوقود، ورغم تدمير المستشفيات ومنع دخول الأدوية والعلاج، تحدى أهل غزة كل المعوقات واستمدوا قوتهم من الإيمان بالله وعدالة قضيتهم.
لم يكن صبرهم ضعفاً، بل كان زاداً لثباتهم في وجه محتل أراد كسر إرادتهم. كانوا مثالاً حياً للمقاومة السلمية بالصمود والمقاومة المسلحة بالعزم، ورفعوا رؤوسنا عالياً أمام العالم أجمع.
المجاهدون: أسود الميدان وحراس القضية
بين أزيز الرصاص ودوي الصواريخ، وقفت فصائل المقاومة، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، كحصن منيع يدافع عن كرامة الأمة. بثباتهم وصمودهم، أثبتوا أن قوة الإيمان والتخطيط قادرة على الوقوف أمام أعتى الجيوش. لم يغادروا ساحات القتال رغم المخاطر، بل ظلوا ثابتين كالجبل، يقاتلون بعزيمة لا تلين.
كانت عملياتهم النوعية ورسائلهم الصاروخية دليلًا على أن إرادة الشعب الفلسطيني عصية على الكسر، وأن الاحتلال مهما بلغ جبروته لا يستطيع انتزاع حق شعب يتنفس الحرية في كل لحظة.
هدنة النصر: بشرى الصامدين
إبرام هدنة وقف إطلاق النار لمدة 42 يوماً وتبادل الأسرى هو إنجاز يضاف إلى سلسلة الانتصارات التي حققها الشعب الفلسطيني بصموده ومقاومته. إنها ليست مجرد اتفاق، بل هي إعلان جديد بأن غزة لم ولن تسقط، وأن المقاومة ستبقى شوكة في حلق المحتل.
لكن هذه الهدنة، على أهميتها، يجب أن تكون درساً لنا جميعاً، فالمحتل الغادر لا يعرف العهود، ويستغل كل فرصة لإعادة ترتيب أوراقه.
رسائل إلى غزة وأبطالها
1. إلى أهل غزة: بارك الله في صبركم وثباتكم، لقد أحييتم روح الأمل في الأمة الإسلامية بأكملها. أنتم قدوة لنا في التضحية والكرامة، وما قدمتموه لا يقدر بثمن.
2. إلى المقاومة الباسلة: أثبتم أنكم رجال الميدان وحماة القضية. استمروا في تطوير قدراتكم وتعزيز وحدتكم، فالمعركة لم تنتهِ، والعدو يتحين الفرص للغدر بكم.
3. إلى الأمة الإسلامية: مسؤوليتكم لا تقتصر على الدعم الإعلامي، بل تمتد إلى تقديم الدعم المالي والسياسي، والضغط على الأنظمة لإيقاف جرائم الاحتلال.
نصائح ومقترحات للمقاومة
1.الحذر من الفخاخ الإسرائيلية: ينبغي على المقاومة عدم الوقوع في مصائد العدو الذي قد يستخدم الهدنة كفرصة لجمع المعلومات الاستخباراتية أو تخفيف الضغط الدولي عليه.
2. تعزيز الحاضنة الشعبية: لا تتركوا أهلكم في غزة وحيدين في معاناتهم، فالمقاومة قوتها من شعبها. استمروا في دعمهم وتأمين احتياجاتهم.
3. الاستعداد لما بعد الهدنة: كونوا دائمًا على أهبة الاستعداد، فلا ثقة بالعدو الذي يتربص بكم.
4. بناء تحالفات إقليمية ودولية: استثمروا هذا الانتصار لتوسيع دائرة التأييد الدولي لقضيتكم، وكشف جرائم الاحتلال للعالم.
ومع هذه الهدنة، يبقى الأمل في أن تكون خطوة نحو تحقيق سلام عادل، لكن يقظة المقاومة وصمود أهل غزة يبقيان الضامن الحقيقي لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
غزة رمز الانتصار
غزة اليوم ليست مجرد مدينة، بل هي رمز للعزة والكرامة في زمن الانكسار. انتصارها هو انتصار للأمة بأكملها، وصمودها هو درس لكل من يبحث عن الحرية. مبارك لغزة وأهلها ومجاهديها هذا النصر، ومبارك لنا جميعًا هذا الأمل المتجدد في أن النصر قادم، وإن طال الزمن.
د قاسم السويداني