اعذروني سأخصص هذا المنشور للحديث عن قريتي
الموقع الجغرافي وأهميته
تقع قرية سهوة القمح في محافظة درعا، وتحديدًا ضمن منطقة بصرى الشام، المدينة الأثرية الشهيرة التي كانت محطة مهمة على طريق الحرير التجاري في العصور القديمة. تُعتبر سهوة القمح واحدة من القرى التي تشهد على عراقة حوران وتاريخها العميق، حيث تتوسط السهول الزراعية الخصبة التي اشتهرت بإنتاج القمح والشعير منذ آلاف السنين، ما أكسبها اسمها الذي يدل على الخير والعطاء.
تقع القرية على بعد حوالي 25 كيلومترًا شرق مدينة درعا، بالقرب من الحدود الأردنية، مما جعلها عبر التاريخ نقطة استراتيجية لحركة التجارة والتنقل، إضافة إلى كونها محاطة بمعالم تاريخية وأثرية مهمة.
تاريخ القرية وجذورها القديمة
تاريخيًا، ارتبطت سهوة القمح بشكل وثيق بتاريخ منطقة حوران التي كانت جزءًا من الممالك القديمة مثل الآراميين والأنباط، ثم خضعت لاحقًا للإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية. يُعتقد أن القرية كانت مأهولة منذ العصور القديمة بسبب قربها من بصرى الشام، عاصمة الأنباط في جنوب سوريا، والتي اشتهرت بكونها مركزًا تجاريًا وثقافيًا.
تظهر في القرية بقايا أثرية تعود للعصور الرومانية والإسلامية المبكرة، ما يدل على أنها كانت جزءًا من شبكة القرى التي دعمت بصرى الشام اقتصاديًا وزراعيًا. وقد ساهمت أراضيها الخصبة في جعلها مركزًا زراعيًا مهمًا، حيث كانت تمد المناطق المجاورة بالحبوب والخضروات.
دورها في التاريخ الإسلامي
مع دخول الإسلام إلى المنطقة في القرن السابع الميلادي، أصبحت سهوة القمح جزءًا من الخلافة الإسلامية، وتحديدًا ولاية دمشق التي كانت عاصمة الخلافة الأموية. تشير المصادر إلى أن القرية احتفظت بأهميتها الزراعية والإدارية، إذ استمر أهلها في زراعة القمح وتربية الماشية.
وكانت القرى المحيطة ببصرى الشام، بما فيها سهوة القمح، شاهدًا على عبور القائد المسلم خالد بن الوليد وجيشه في طريقهم إلى فتح الشام. إذ يُعتقد أن المنطقة شهدت تجمعات لجيوش المسلمين خلال فتوحاتهم.
أصول التسمية وأهميتها
اسم “سهوة القمح” يُشير إلى ارتباط القرية بالمحاصيل الزراعية، خاصة القمح الذي كان المصدر الرئيسي للدخل والرزق لسكانها. وكلمة “سهوة” في اللغة العربية تعني الأرض المنبسطة أو السهل الصغير، مما يعكس طبيعة تضاريس القرية التي تتصف بالانبساط والخصوبة. وقد ظلت هذه الأراضي موردًا رئيسيًا لأهلها على مدى الأجيال.
أبرز من تكلم عنها
بالرغم من قلة المصادر التاريخية التي تتناول سهوة القمح بالتفصيل، إلا أن الباحثين الذين تناولوا تاريخ حوران أشاروا إلى أهمية القرى المحيطة ببصرى الشام في دعم اقتصاد المنطقة. وذكر بعض الرحالة العرب والأجانب الذين زاروا بصرى الشام في القرنين التاسع عشر والعشرين أهمية الأراضي الزراعية المحيطة بها، بما فيها سهوة القمح، وارتباطها بإنتاج القمح وتربية المواشي.
أبرز صفات أهلها
أهل سهوة القمح يتميزون بكرمهم الأصيل ونخوتهم التي لا تُنسى. تجد فيهم صفاء النفس وبساطة العيش، فهم يتوارثون القيم الأصيلة جيلًا بعد جيل. في الأفراح والأتراح، يقف أهل القرية صفًا واحدًا، يجتمعون حول بعضهم كأنهم عائلة واحدة، يتبادلون الحب والمودة.
ورغم ما مرت به القرية من تحديات خلال السنوات الأخيرة سنوات الثورة السورية، بقي أهلها أوفياء لجذورهم، يحنّون دومًا للعودة إلى أراضيهم ومنازلهم التي تعبق برائحة الزمن الجميل
تمثل هذه العائلات نموذجًا للعلاقات الاجتماعية القوية والتعاون الذي يميز أهل القرية، حيث يعيش الجميع كأنهم عائلة واحدة.
شوق لا ينطفئ
عندما أغمض عينيّ وأستحضر ذكريات الطفولة، أجدني أمشي في شوارع سهوة القمح، أستنشق عبير الياسمين الممتزج برائحة التراب المبلل بماء المطر. أحنّ إلى صوت الأذان الذي يصدح في فضاء القرية، وإلى جلسات السمر مع الأهل والأحباب تحت ضوء القمر.
لا تزال ذاكرتي تحفظ تفاصيل حاراتها التي كانت تضج بأصوات الأطفال وفرحتهم، ووجوه الجيران التي تحمل ابتسامات صافية كصفاء السماء فوق القرية. كم أشتاق لأن أعود وأرى تلك الأرض التي احتضنت خطواتي الأولى، أن أُحيّي أهلها الذين لم يغادروا قلوبنا مهما بعدنا عنهم.
آن الأوان لتحقيق حلم العودة بإذن الله
إن سهوة القمح ليست مجرد قرية، بل هي قطعة من الروح والقلب، تسكننا أينما ذهبنا. ورغم الغربة وبعد المسافات، بقى الأمل حيًا بأن يعود إليها كل من غادرها، ليُعيد للأرض نبضها، وللشوارع ضحكات أهلها. سهوة القمح، أنتِ الحلم الذي لا ينطفئ، والحنين الذي يزداد كلما ابتعدنا عنك