عندما يطرق الحوار أبواب الأوطان
إن المفارقة الكبرى اليوم هي أن الرئيس الجديد الذي خرج من رحم معاناة السوريين يطرح على الشعب فكرة مؤتمر الحوار الوطني بينما كان هذا الخيار ذاته مرفوضًا بشكل قاطع من قبل الرئيس السابق بشار الأسد.
هنا يطرح السؤال الجوهري: ماذا لو وافق الأسد على الحوار الوطني في بدايات الأزمة هل كان ذلك ليجنب سوريا الدمار أم أن هناك حكمة إلهية وراء كل ما جرى دفعت بالأحداث نحو هذا المصير المحتوم
الحوار الوطني المرفوض: اللحظة التي غيرت مجرى التاريخ
في عام 2011 ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية نادت أصوات كثيرة داخل سوريا بضرورة عقد مؤتمر حوار وطني شامل يجمع كافة أطياف المجتمع لمناقشة الإصلاحات المطلوبة وتقديم حلول تجنب البلاد الانزلاق نحو الفوضى. إلا أن النظام السابق وعلى رأسه الرئيس بشار الأسد رفض هذا الطرح متذرعا بأن ما يجري ليس سوى (مؤامرة خارجية) رافضا الاعتراف بوجود مطالب شعبية حقيقية.
بدلا من الحوار لجأ النظام إلى الحل الأمني والعسكري وقوبلت الاحتجاجات بالقمع العنيف مما أدى إلى تصعيد الموقف وانفجار الصراع ليأخذ أبعادا إقليمية ودولية.
- ولكن ماذا لو كان الخيار مختلفاً
- ماذا لو جلس النظام السابق مع الشعب وناقش مطالبه
- ماذا لو تم تقديم تنازلات سياسية حقيقية
- هل كانت سوريا لتتجنب الدمار الذي شهدته خلال الأعوام الماضية
الحكمة الإلهية في مسار الأحداث
يؤمن الكثيرون بأن الأحداث الجسام التي تصيب الأمم تحمل في طياتها حكمة إلهية خفية لا تتضح إلا بعد انقضاء الزمن.
فلو قبل الأسد بالحوار الوطني في 2011 ربما كانت سوريا ستشهد تحولاً سياسياً تدريجياً بدلاً من الحرب.
لكن في المقابل قد يكون رفضه للحوار وسقوطه بعد أربعة عشر عاماً هو جزء من مشيئة إلهية أرادت أن تقتلع جذور الاستبداد من أساسه لا أن تتركه يتلون بأقنعة الإصلاح المؤقتة.
تاريخياً رأينا كيف أن بعض الأنظمة القمعية حاولت احتواء الاحتجاجات بالإصلاحات الجزئية لكنها استمرت في ممارسة الاستبداد بصور مختلفة.
في تونس أطلق زين العابدين بن علي وعوداً بالإصلاح لكنه لم يكن جاداً مما أدى إلى سقوطه.
في ليبيا لم يكن القذافي ليقبل بأي تنازل فانتهى به الأمر إلى مصير مأساوي.
ربما لو قبل الأسد بالحوار لكان النظام استمر مع بعض التعديلات الشكلية ولما نشأت سوريا الجديدة التي تتجه اليوم نحو بناء دولة حقيقية تعكس إرادة الشعب.
وربما أرادت الأقدار أن يطول زمن الألم حتى يتجذر التغيير ولا يكون مجرد تجميل لمشهد الاستبداد.
الرئيس أحمد الشرع: حوار من الشعب إلى الشعب
اليوم بعد أربعة عشر عاماً من الدماء والدمار تتجلى المفارقة الكبرى في أن الرئيس الجديد هو من يدعو إلى مؤتمر الحوار الوطني لا لإطفاء أزمة بل لوضع أسس البناء.
مؤتمر اليوم ليس مجرد محاولة لإنقاذ نظام مأزوم بل تأسيس لعقد اجتماعي جديد يشارك فيه الجميع دون خوف أو إقصاء.
الفارق الجوهري أن هذا الحوار يأتي بعد سقوط الاستبداد وليس في محاولة للالتفاف على مطالب الشعب.
وبذلك تُطوى صفحة سوداء من تاريخ سوريا وتُفتح صفحة جديدة قوامها المشاركة والتعددية.
العبرة من الماضي والمسؤولية تجاه المستقبل
تجربة سوريا تؤكد أن رفض الحوار وقمع الشعوب لا يؤدي إلا إلى الدمار وأن الحكمة الإلهية قد تجعل الطريق طويلًا ومؤلمًا لكنه في النهاية يقود إلى التغيير الحقيقي. واليوم مع انطلاق أولى جلسات مؤتمر الحوار الوطني تقف سوريا على أعتاب مرحلة جديدة حيث لا يعود القرار محتكراً لدى فرد أو حزب بل يصبح شأناً عاماً يشارك فيه الجميع.