تشكل اليسار العربي: تاريخ وأزمات يعود تشكّل اليسار العربي إلى بدايات القرن العشرين، حيث تبنّى مشروع استقلال الدولة على أساس القومية. بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت الحركات اليسارية القوية تأخذ دوراً فعلياً، مدعومةً بتراجع القوى الأوروبية المُنهَكة من الحروب. ومع تسارع الأحداث، برز فكر علماني عربي ينادي بالقومية، جامعاً العالم العربي من الخليج إلى المحيط الأطلسي، كونه مكوّنًا من دول ذات لغة ودين مشتركين. انتشر هذا الفكر تدريجياً من خلال أحزاب البعث في لبنان وسوريا والعراق، وعُرف رواده بالقوميين العرب. كما أثّر هذا الفكر في جمال عبد الناصر، ما أدى إلى ظهور الناصرية كامتداد للقومية العربية في بلاد الشام وإفريقيا.
رغم أساليب الفكر اليساري النقدية التي ساهمت في إنارة العقول وتصحيح بعض مسارات المجتمعات، لم تتمكن التيارات الفكرية المختلفة، بما فيها اليسار، من إنهاء معاناة الإنسان العربي بشكلٍ فعّال. هذا يؤكد الحاجة إلى تحديث كثير من الأفكار والتعاون بين التيارات لإخراج الإنسان من عزلته الفكرية. يعتبر اليسار العربي تياراً متنوعاً، يمزج بين الشيوعية، الاشتراكية، القومية، والمدارس الفكرية الأخرى، لكنه يعاني من تشتّت فكري واضح، مما يجعله متذبذباً بين الشرق والغرب دون أرضية ثابتة.
الأزمة الوجودية لليسار العربي يواجه اليسار العربي أزمة وجودية عميقة بسبب انقطاعه عن جذوره التاريخية وضعف ارتباطه بالمجتمع. فقد بدا كطرف غريب، مما جعله عرضة للرفض الشعبي، خاصةً مع رفضه للموروث الثقافي والديني للمجتمع العربي. وهذا الرفض يزداد حدة في وقت أصبحت فيه السياسة في العالم متأثرة بالغضب والحنين.
تتجلى إحدى مظاهر التناقض في تأييد بعض التيارات اليسارية لما يُسمى “محور الممانعة” مع تبني أسلوب حياة غربي، متناقضًا مع شعارات “الموت لأمريكا”. لا يُسجّل لهم امتلاك عقارات أو إرسال أبنائهم للدراسة في دول هذا المحور، بل يسعون للحصول على الجنسية الأميركية لأبنائهم، مما يكشف عن ازدواجية فكرية واضحة.
ضرورة التحليل النقدي العقلاني يُعد التحليل النقدي أمراً ضرورياً لإزاحة العوائق أمام التقدم العربي، لكن دون إقصاء التيارات الأخرى. فجدلية نقدية محصورة في المفاهيم المادية قد لا تتماشى مع عقلية المجتمع العربي. وينبغي أن يدمج المثقف العربي الجوانب العقلانية والوجدانية للدين في فهمه، مثلما فعل اليسار الغربي الذي تخلّى عن اليسار الكلاسيكي لصالح الواقعية.
في المجتمعات العربية، يظل هناك صراعٌ بين اليسار واليمين، وكلاهما يمارس الانتقائية. إن نزاهة التيار اليساري تتطلب أن يلتزم بمبادئه الأساسية، كالثبات والعدالة ومقاومة الظلم، حتى ينأى عن الغوغائية والانتهازية التي التصقت به.
مشكلات مشروع اليسار العربي تأتي أزمة اليسار العربي من اعتماده مشروعاً لبناء الدولة دون الاهتمام بالهوية الوطنية، ما دفعه إلى عزلة عن بيئته وموروثه. إضافة إلى ذلك، اتسمت خطابات اليسار بالطوباوية وفقدت حيويتها، مما دفعه إلى الدخول في صراع مستمر مع التيارات الإسلامية، دون تقديم رؤية تجديدية تُعزّز موقعه.
لم يتوقف اليسار العربي عن الرهان على سقوط الإمبريالية، مما انعكس على فشله في استثمار ثورات الربيع العربي وتهاوي الأنظمة، ليجد نفسه يعمل ضد تيار التطور، عاجزاً عن التكيّف مع التغيرات المحيطة.
في غاية الأهمية شكرا