بعد نجاح الثورة السورية وسقوط النظام البائد وجدت البلاد نفسها أمام تحدٍّ مصيري
كيف نبني دولة قوية قائمة على أسس العدالة والحرية والمواطنة؟ إنَّ تشكيل الأحزاب والتيارات السياسية في هذه المرحلة ليس مجرد ترف فكري أو كمالية ديمقراطية بل هو ضرورة ملحة لضمان عدم انزلاق البلاد نحو الفوضى أو حكم الفرد أو حتى الاستبداد الجديد بثوب مختلف.
لماذا تحتاج سوريا إلى أحزاب سياسية وطنية؟
إنَّ وجود الأحزاب هو العمود الفقري لأي نظام ديمقراطي فهو يتيح تمثيلًا أوسع لآراء الشعب ويحول دون احتكار السلطة من قبل جهة واحدة كما يساهم في وضع برامج سياسية واقتصادية واضحة المعالم مبنية على رؤية وطنية لا تخضع لأجندات خارجية.
إنَّ التجربة السورية السابقة أثبتت أن غياب الأحزاب الوطنية القوية جعل الساحة السياسية فارغة ما سمح بسيطرة حزب واحد اختزل الدولة في ذاته.
بين الضرورة والكمالية: أين نقف؟
قد يرى البعض أن المرحلة الانتقالية تتطلب التركيز على الاستقرار الأمني والاقتصادي قبل التعددية الحزبية لكن التجارب التاريخية تشير إلى أن تأجيل تأسيس الأحزاب يؤدي غالبا إلى بروز قوى غير منتخبة تحتكر القرار السياسي. بالتالي فإن تشكيل الأحزاب الوطنية منذ البداية هو الضمان الحقيقي لعدم انزلاق البلاد نحو حكم العسكر أو إعادة إنتاج أنظمة استبدادية بغطاء جديد.
شروط الأحزاب الوطنية الناجحة
لكي تنجح الأحزاب في تحقيق النهضة السياسية لا بد من توفر مجموعة من المبادئ الحاكمة لها أهمها:
- الاستقلال التام عن أي دعم خارجي فالأحزاب يجب أن تنشأ من رحم المجتمع السوري وتعبر عن تطلعاته لا أن تكون أذرعًا لدول أخرى تسعى لتحقيق مصالحها.
- الهوية الوطنية الجامعة بحيث تكون المصلحة السورية فوق أي اعتبار بعيداً عن الأيديولوجيات المتطرفة أو الانقسامات الطائفية والإثنية.
- العمل المؤسساتي فالعمل السياسي لا يمكن أن ينجح إذا كان قائمًا على الشخصيات فقط بل يجب أن يكون ضمن إطار مؤسسي منظم يحترم التعددية السياسية.
كيف تساهم الأحزاب في بلورة الحكم ونهضة سوريا الجديدة؟
وجود أحزاب قوية يعني وجود برلمان حقيقي يمثل الشعب ويكون قادرًا على التشريع والمساءلة مما يمنع احتكار القرار السياسي.
كما أن الأحزاب توفر بيئة تنافسية تفرز قيادات كفؤة قادرة على تقديم الحلول الفعالة لمشاكل البلاد بدلاً من أن يكون الحكم محصورًا بأفراد أو مجموعات محددة.
بالإضافة إلى ذلك فإن الأحزاب تسهم في نشر الوعي السياسي بين المواطنين مما يعزز ثقافة المواطنة والمشاركة في صنع القرار.
إيجابيات التعددية الحزبية في سوريا الجديدة
- تحقيق التوازن السياسي: وجود أحزاب متعددة يمنع أي طرف من الاستئثار بالسلطة.
- تشجيع المشاركة الشعبية: الأحزاب توفر منابر سياسية تمكن المواطنين من التعبير عن آرائهم والمساهمة في صناعة القرار.
- تعزيز الشفافية والمساءلة: التنافس الحزبي يجعل الحكومة أكثر التزاما بالمحاسبة الشعبية.
- خلق بيئة اقتصادية مستقرة: عبر تبني سياسات اقتصادية واضحة تتبناها الأحزاب وفق برامجها الانتخابية.
هل نحن مستعدون لتحمّل مسؤولية العمل الحزبي؟
إنَّ نجاح التعددية الحزبية في سوريا الجديدة لن يكون مسؤولية الدولة وحدها بل مسؤولية الشعب بأكمله.
فهل سيكون السوريون على قدر هذه المسؤولية ويستطيعون تجاوز الخلافات الشخصية والأيديولوجية لبناء أحزاب وطنية حقيقية أم أننا سنقع في فخ الانقسامات والتجاذبات التي أضاعت العديد من دول المنطقة؟