في خضم فرحتنا الكبرى بانتصار ثورتنا المباركة وسقوط نظام الاستبداد الذي أرهق أرواحنا لعقود، لا بد أن ندرك أن بناء الدولة أصعب بكثير من إسقاط الطغيان.
فالثورات العظيمة لا تكتمل لحظتها، بل تُولد يوم تسقط الأنظمة، وتكبر يوماً بعد يوم بإرادة أبنائها، وعزيمتهم، وصبرهم على الطريق الشاق نحو الحرية والكرامة.
لا معصوم بيننا.. ولا مقدّس في السياسة
في هذه المرحلة الدقيقة، وبينما لا تزال الحكومة الانتقالية تخط أول سطورها في دفتر الحكم، أثار أحد الوزراء الجدل حين اجتمع بشخصية محسوبة على العهد السابق، وربما ذات سجل سيء في نظر البعض.
نعم، كان تصرفه محل نقاش وانتقاد، وربما خانته التقديرات. لكن — هل نقصي رجلاً من أول زلة؟
هل ننسف النوايا من أول العثرات؟
هل نشهر السيوف في وجه كل من اجتهد فأخطأ؟
لسنا بحاجة إلى وزراء بلا أخطاء، بل إلى رجال صادقين يعترفون بأخطائهم ويتعلمون منها. الوزير ذاته لم يدّع العصمة، بل أقر بأن ما جرى بحاجة إلى مراجعة. أليس هذا من شيم القادة الحقيقيين — أن يتحمّلوا المسؤولية ولا يختبئوا خلف الأعذار؟
دولة المؤسسات لا تُبنى بالعاطفة وحدها
في لحظة حرجة كهذه، حيث تُبنى مؤسسات الدولة من الصفر، هل من الحكمة أن نهزّ استقرار الحكومة مع كل خطأ؟
هل يجوز أن نستبدل وزراء كل أسبوع، ونتنازع السلطة يوميًا بدعوى النزاهة المطلقة؟
النزاهة مطلوبة، بل أساسية، لكنها ليست وحدها معيار القيادة.
نحتاج إلى نضج سياسي، وواقعية، ووعي بأن الدولة الحديثة تتطلب وقتاً، وتجربة، وتراكماً في الخبرة.
النقد البنّاء لا الهجاء الغوغائي
لكل من يريد الخير لهذا الوطن، يجب أن يُدرك أن معركة البناء طويلة، وتتطلب:
-
دعماً لا تسفيهاً
-
نقداً واعياً لا هجاء غوغائياً
-
رقابة مسؤولة لا تصفية حسابات
دعونا لا نعيد إنتاج أخطاء الطغاة ونحن نحمل راية الحرية.
فللشعب الحق في أن يُراقب ويُحاسب ويُسائل — لكن من واجبنا أن نمنح من تصدّروا المشهد فرصة ليتعلموا، ويخدموا، ويصقلوا خبراتهم في حضن هذه الدولة الجديدة.
فلنصبر قليلاً.. فالوطن يُبنى بالعقل والرحمة
إننا لا نبني وطناً بالمثالية الحالمة وحدها، بل بالعقل والعمل والرحمة.
فلنصبر قليلاً، ونعطي لتجربتنا الوقت الكافي، بعيدًا عن العجلة، والمزايدات، والعناوين الرنانة.
الوطن يستحق أن نُحسن إليه بالعقلانية قبل العاطفة، وبالثقة قبل الشك، وبالرحمة قبل القسوة.