بينما تتحرك المنطقة على حافة تغييرات واسعة عنوانها الأبرز كفاية الدور الإيراني من تفتيت مشاريع الدولة الوطنية في كل من سورية ولبنان، والتجارة البائسة في المشاعر العربية والقضية الفلسطينية، تبرز على الساحة احتمالات مرجحة لمشاريع من نوع مختلف. خاصة وأن عواصم الشرق المدمرة وحواضرها الممزقة تعاني ظلم واستبداد حكامها سواء الرسمية منها كسلطة دمشق أو الميليشياوية كحزب الله وغيره. في هذا السياق، ومع إمكانية التمهيد لوضع مستقر للبنان بلا حزب الله وتغوله العسكري الأيديولوجي على الدولة اللبنانية، يمكن للسوريين التعامل مع مقتضيات المرحلة بالعمل على تفعيل القرارات الدولية المتعلقة بالحل السياسي السوري. وبمقدمتها القرار 2254 بمرجعية جنيف 1/ 2012.
تفعيل الحل السوري والبدء في مسار تحققه، تكمن ضرورته في تحقيق معايير موضوعية هامة بمقدمتها:
- 2254 هو المعطى السياسي الدولي الذي ينظر للمسألة السورية كعقدة دولية تتداخل فيها معظم قوى العالم الرئيسية عسكرياً وسياسياً، ولكنه يحدد مسارها بمرجعية السوريين وحسب.
- القرار يؤكد على التغيير السلمي السياسي ويستبعد الحلول العسكرية التي مارسها النظام وحلفاؤه خاصة مع التدخل الروسي 2015 وانهاء الداخل السوري.
- يستبعد القرار أي مسار سياسي آخر للحل، كمسار سوتشي الروسي الذي حاول الاستفراد بالحل السياسي السوري على ما تريده منفردة. كما ويستبعد أي مسار آخر عسكري كأستانة وغيرها.
- القرار قابل للتطور والتحديث وتجنيب سوريا المزيد من التشتت، وليس فقط يؤمن قاعدة حيوية للسوريين للعمل بمقتضيات المصلحة الوطنية السورية مستبعدين كافة المشاريع الخارجية التي تسعى للاستفادة من بقاء سوريا على وضعها الراهن.
- اليوم أمام السوريين فرصة تاريخية، بل قد تكون الأخيرة، تستند لنقاط قوة متعددة يحققها التغيير السياسي، فهو:
أولاً: مصلحة عربية للاستقرار والسلام والمساهمة الفعالة في انهاء تمدد الميليشيات الإيرانية وبقايا حزب الله الطائفية والمصنفة على قوائم الإرهاب العالمي، العاملة على الهيمنة والسيطرة في الداخل السوري، والتي حولت سورية لأكبر موزع للكبتاغون في المنطقة والعالم.
ثانياً: الحد من العنف والنزاعات العسكرية الإقليمية الممكنة في سورية، والتهديد الإيراني لأمن الخليج العربي والسلام بالشرق الأوسط برمته، واليوم هي في موقع المفاوض على ملفاتها الداخلية بعد أن كانت تفاوض على تمددها الخارجي.
ثالثاً: تحقيق الأرضية الآمنة لعودة المهجرين واللاجئين السوريين والبدء بعملية إعادة الاعمار مجتمعياً واقتصادياً. والتي ستقود لاستعادة السوريين لقرارهم الذاتي الوطني ويؤسس للاستقرار واحلال السلام بعموم منطقة الشرق الاوسط والدول العربية.
وهذه تقابلها جملة من نقاط ضعف النظام المتضحة بتجاذباته السياسية والمالية بين العرب وانكفاء المروع الإيراني، وهو العاجز عن الاستمرار أمام ما يتم فرضه من أي طرف من أطراف المعادلة الإقليمية والدولية، سوى أنه يقف في نقطة الوسط بينها جميعاً معتمداً على لعبة التوازن القلق! فيما ان المتغيرات الحالية تضعه أمام شروط محددة تستلزم من الأطراف السورية المعارضة الاستفادة منها لمصلحة الكل السوري. ما يقودنا للحديث عن تغيير قواعد التفاوض وآلياته المستندة على أهمية ربيع السويداء السلمي والتمسك بمعادلة الحل السياسي السوري بعمومه من بوابة القرارات الدولية ذاتها، وإمكانية دعمه سورياً وتعميق فاعليته عربياً ودولياً. وهذا ليس منوطاً بأبناء السويداء وحدهم، حتى وأن تمكنوا من تشكيل هيئاتهم السياسية الممثلة لهم! فالمسألة السورية تتطلب تفعيل وترجمة النوايا السورية عامة سواء من معارضتها الرسمية وغير الرسمية، شخصياتها وفعالياتها الوطنية المستقلة المدنية والفكرية والسياسية والمادية، إلى فعل مادي ملموس والإجابة الفعلية عن سؤال: دولة لكل السوريين تبدأ مع التغيير السياسي وأساسه نقاط قوته أعلاه، أو انتظار ما ستمليه الدول على كل الأطراف السورية وحسب؟
الحديث عن حسن النوايا وبناء الثقة في شؤون السياسة والحكم تقوضه الأنفس الامارة بالسوء وشهوة السلطة المطلقة، فيما أنه ثمة إمكانية واسعة لزيادة مفاعيل الحضور السوري المعارض على ساحة الحل السياسي وفق نقاط واضحة ومحددة:
- النظام السوري شكل ولازال، الوبال الجسيم على سوريا والسوريين ودول المنطقة برمتها، وكان الذراع والأداة المساعدة للتمدد الإيراني فيها، وتراجع الأخير تستلزم زوال مسببه بالأساس ألا وهو النظام.
- الخروج من دوائر الاستقطابات العنفية الإقليمية والعمل بمقتضى المشروع الوطني السوري وحسب.
- اعتبار التظاهر السلمي في السويداء المستمر لما يزيد عن عام وشهرين وفي أية رقعة جغرافية سورية هي الحامل الأساسي للحل السياسي السوري وفقاً للقرارات الدولية ذاتها.
- لا يمكن لجهة سورية وحيدة ادعاء أنها تمثل السوريين منفردة، ما يتطلب العمل والانفتاح بين جميع الهيئات والمنصات السورية المعارضة الرسمية وغير الرسمية لتشكيل آلية توافقية على استحقاق التغيير السياسي والدخول في المرحلة الانتقالية بشكل راهن وعاجل تضمن انهاء نظام الحكم الحالي.
- المعادلة السورية التفاوضية خسرت معادلة القوة السلمية التي حققتها موجتها الأولى عام 2011 والتي حققت: قرار الجامعة العربية بحجب مقعدها عن النظام، وبيان جنيف 1/2012 بتغيير النظام بهيئة حكم كاملة الصلاحيات. فيما تراجعت هذه الخطوات إلى حكم ذا مصداقية وفق شروط تفاوضية، خسر السوريين فيها قوة السلمية، أضفت لهزيمة الداخل السوري عسكرياً أمام الحلف الروسي الإيراني مع النظام، وباتت معادلة القوة هي الأكثر ترجيحاً. فيما اليوم يعود ربيع السويداء في المسألة السورية لنقاط قوتها الأساسية في التظاهر السلمي المدني، وعودة الدول العربية للتراجع عن مبادراتها العام الماضي بإعادة النظام لمقعده بعد حجبها عنه 12 عاماً، تحت عنوان خطوة مقابل خطوة لم يقدم منها النظام خطوةً، حسبما أشار إليه بيان قمة المنامة الأخيرة والتي تضمنت بوضوح تفعيل القرار 2254 والانتقال السياسي في سورية. هذا مع احتمال مرجح لانكفاء إيران وميليشياتها للداخل الإيراني، ما يجعل النظام في أضعف حالاته، اذما بادرت القوى السورية الحية بطرح مشروعها الوطني بالتغيير السياسي الملح والعاجل.